كأسٌ يُستخدم للتحكيم في حفلات الشراب

مقدمة

هو كأس مصنوع من فضة  ذو غطاء مثقوب ومسطح. تتوسط الغطاء قبة غاية في الجمال تعتليها بطة ذات منقار مفتوح. يوضع الكأس على منتصف منضدة الحفلة، ويُسكب النبيذ. تدور البطة وتنبعث منها نغمة حادة حتى تستريح وتتوقف عن الصفير؛ حينما يتجه منقارها نحو أحد المشاركين، عليه أن يشرب من الفوهة حتى بنتهي من النبيذ كاملًا. حتى إن بقي أي نبيذ في الكأس، تنطلق صافرات البطة ولن يقبل المضيف الكأس حتى يستأنف الشخص الذي وقع عليه الاختيار شرب كامل النبيذ.

رسم يوضح هيئة الكأس الذي يُستخدم تحكيم في حفلات الشراب، مخطوطة توبقابي ، ١٢٠٦

كيف يعمل الكأس؟ 

سيتخذ الشرح التقني اللون الأزرق، كالمعتاد؛ لذلك يمكن لأي شخص غير مهتم كيف يصدر كأس النبيذ أصواتًا وكيف تعرف كمية النبيذ التي تم شربها تخطي تلك الأجزاء. لرسم أدناه رسمه مترجم ومؤلف الكتاب: دونالد ر هيل، بما يساعدنا في تتبع آلية العمل:

يصب الخادم النبيذ على الغطاء عبر فتحات الغطاء، حيث يتدفق النبيذ خلال الفتحة إلى دولاب الماء. يرجى الاطلاع على الرسم الجميل للجزري أدناه ، والذي يشبه تمامًا توربين ناسا الحديث. يصطدم النبيذ المتدفق بالشفرات، فيدور الدولاب  مع تثبيت البطة على المحور.يتدفق النبيذ إلى القناة داخل الكأس، ومن ثمَّ يتعرض الهواء للضغط، فيصدر صوت الصفير. في حال لم ينته الشارب من النبيذ، يعود النبيذ ويدفع الهواء في الأنبوب، وستصدر البطة صوتًا يشير إلى أن الشارب لم يكمل دوره.

مقارنة بين دولاب المياه من كتاب الجزري والتوربين الحديث، ناسا.

الكحول

لا أدّعي أنني خبيرًا في الإسلام ومراحل تطوره؛ إلا أنني شعرت بالمفاجة فور أن صادفت الإشارة إلى الكحول. لذا اتجهت إلى الاطلاع لاتكشف حقيقة الأمر، سأكون سعيدًا لتلقي تعليقاتكم، وتوضيحاتكم ، او أفكاركم أخرى.

تحقق الحظر الكامل للكحول في الإسلام على مراحل متدرجة؛  يؤمن المسلمون بحكمة الله وإدراكه للطبيعة البشرية ومعرفته بعواقب تناول الكحول الوخيمة. فبدأ الأمربحظر شارب الخمر على المشاركة في الصلاة إذا ما كان في حالة سكْر:

سورة النساء، الآية رقم ٤٣-

” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا”

ثم يوضح أن أضرار الخمر تفوق منافعه:

سورة البقرة، الآية رقم ٢١٩

” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا”

وفقط، أخيرًا، هناك حظر شامل:

سورة المائدة، الآية رقم ٩٠

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.

وعلى الرغم من حظر شرب الخمر في الإسلام؛ إلا أنه ثمة دلائل في مجالات اللغة والثقافة والشعر تؤكد على رواج شرب الخمر في العالم الإسلامي في العصور الوسطى. حتى أن مصدر كلمة «Alcohol» هي  الكلمة العربية الكُحْل؛ وتعني مسحوق لتكحيل العيون؛ في تشابه بين انتاج الكحل والخمر. وفي الشعر، كتب أبو نواس، الذي ربما كان أشهر شاعر عربي في العصر العباسي والذي ظهر أيضًا في «ألف ليلة وليلة»، قصائد النبيذ، “الخمريات”. يمكنك قراءة المزيد هنا.

“لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند،

واشرب على الورد، من حمراء كالورد

كأساً، إذا انحدرت من حلق شاربها،

أجدته حمرتها في العين والخد

فالخمر ياقوتة، والكأس لؤلؤة،

في كف جارية ممشوقة القدّ،

تسقيك من طرفها خمراً، ومن يدها

خمراً، فما لك من سكرين من بدّ.”

حديث بياض ورياض، من القرن 13، مخطوطة من مكتبة الفاتيكان

الرسم مأخوذ عن «قصة بياض ورياض» . هذه هي المخطوطة الوحيدة الناجية ؛ والتي ربما أُنشأت في الأندلس على أعتاب عام 1200(وهي الفترة التي زامنت كتاب الجزري «كِتَابٌ فِي مَعرِفَةِ الحِيَّلِ الهَندَسِيَّةِ »). من الواضح أن المشهد في الصورة هو وليمة يتبادل فيها النساء والرجال شرب النبيذ سويًا. الكأس للتحكيم هو دليل قاطع الذي قصر ديار بكر التي تقبّلت هذه التناقض بشكل سلميّ. وثمة العديد من الإشارات إلى الإسلام وعاداته داخل الكتاب، وهناك حفلات شرب ممتعة مرحة دون أي اعتذار أو إخفاء. علينا فقط تخمين التفسير. عاش الحكام الأرتوقيون  بين مجموعة متنوعة من السكان المحليين، بما في ذلك الأرمن والسوريين واليونانيين، ومعظمهم من المسيحيين الشرقيين. ففي المسيحية؛ لا يُعد النبيذ محرّمًا، وإنما هو جزء قائم من الطقوس. ففي عشاء يسوع الأخير؛ يبارك يسوع الخمر، ويذكر أن الخمر دمه، ويشير إلى التلاميذ بأن يشربوا منه. ثم مرر الخبز الفطير حول المائدة وأوضح لرسله أن الخبز يمثل جسده في نموذج يعكس أصل الاحتفاء بالقربان المقدس.

وربما كان هذه التعايش السلمي الدافع وراء التهاون في مسألة شرب النبيذ. ومع ذلك، فإن الأدلة على تعاط الكحول تأتي من جميع أنحاء العالم الإسلامي من بلاد فارس إلى الأندلس وتمتد أيضًا لمئات السنين. ربما أقوم بربط المفهوم الصارم الحالي لتحريم الكحول بفترة زمنية تمثل نموذجًا مختلفًا للمفاهيم الدينية ، كان الإسلام فيها أكثر مرونة.

هل تنطق بالحقيقة أم تقبل التحدي؟

علّقتْ حبيبتي م، القارئة الأُولَى لتَدْوِينَاتي، على التشابه بين البطة الدوارة والزجاجة في لعبة «الحقيقة أو التحدي». وهي لعبة تشيع في أوقات الحفلات، كانت ىخر مرة مارستها يوم أن كنت مراهقًا، وكانت تحظى بشعبية خاصة بين المراهقين. يطرح الإنترنت الآن تطبيقات تمنحني شعورًا بأن ما كنا نعتبره من الجرأة قديمًا، يُعتد حاليًا من المسلّمات. من ناحية أخرى، يبدو أن اللعبة لا تزال شائعة، وكأن الحَاجَات لم تتغير؟

إنما تبدو هذه اللعبة مختلفة؛ حيث يجلس المشاركون على شكل حلقة، ويدير أحدهم الزجاجة. ثم يتلقى الشخص الذي يصدف أن قد توجهت فوهة الزجاجة ناحيته: «الحقيقة أم الجرأة ؟» إذا اخترت «الحقيقة»، يُطرح عليك سؤال يتحتم عليك الإجابة عنه. تستهل الأسئلة بـ: هل صحيح أن…؟ “فيما اتجه الجميع إلى طرح تساؤلات تخص العلاقة بينها وبينه”. أما إن وقع اختيارك على «Dare»، أو أجرؤ! تتلقى حينها تحديات تستهل بـ ” أتحداك أن …”، والتي عادة ما كانت عبارة عن تبادل قبلات لأول مرة مع مشاركين آخرين وأشياء من هذا القبيل. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لمَ كنا في حاجة إلى زجاجة لنجري بها اللعبة؟ وبالمثل؛ لمَ قد نحتاج بطة لإجراء المنافسة؟

كان المراهقون، على الأقل في وقتي، محرجين من اكتشاف حياتهم الجنسية وعلاقتهم بالجنس الآخر.  لذا أتاحت اللعبة كسر الحواجز وجرأة اتخاذ القرارات وطرح تساؤلات التي لم يكن مقدرًا لها أن تتوفر بهذه السهولة دون التعرض للإحراج أو التوبيخ لولا وجود اللعبة . هل هذا يعني أن الشركاء في المأدبة احتاجوا إلى بطة لتمثل لهم عنصرًا للتحكيم لتكفيهم خجل التجرؤ على شرب الكحول ؟ وهل هذا التفسير فِي الْحَقِيقَةِ علامة استفهام عن افتراضي بأن الكأس دليل صريح على حالة التعايش السلمي الذي حققته قصر ديار بكر مع حالة التناقض بين حظر الخمر وإباحته ؟

השאר תגובה